الأحد، 19 فبراير 2017

الفصل الثاني 5

الخطوة السادسة
التفسير
في البداية تذكّر هذا جيداً؛
1.  الكتاب المقدس هو كتاب الله وكل ما هو مكتوب فيه هو مكتوب من أجل إظهار مجد الله. لذلك لا تقل ماذا يعنى هذا النص لىّ؟؟ بل بالحري ماذا يعنى هذا النص عن الله ؟. أو ماذا أراد الله ان يقول لنا عن مجده وعندما نعرف الإجابة يمكننا ان نخرج بتطبيقات على حياتنا.
2.  هناك ثلاث مجموعات من البشر يذكرهم لنا الكتاب المقدس (1كو32:10)هم اليهود، الأمم، الكنيسة. وقد كتب أناس الله القديسون أحيانًا لمجموعة واحدة من الثلاثة، و أحيانًا لأكثر من مجموعة، و لذلك فالسؤال الأول الذي يجب طرحه هو لمن كُتب هذا النص؟.
3.   أفضل "نظام للتفسير هو الذي يمكن وصفه بأنه عادي أو واضح أو حرفي"[1]، ولأن الكتاب المقدس كتاب أدبي؛ يُفترض فَهمه حرفياً، وتفسيره مثل النصوص الأدبية في ضوء القواعد التالية:
القاعدة الأولى: التفسير في ضوء التاريخ:
كل عمل أدبي كُتب ضمن إطار تاريخي معين، يمكن فهمه من خلال هذا الإطار.
·   نحن نعلم أن الكتاب تمت كتابته على مدى 1500 سنة، ويغطي أحداث حوالي 4000 سنة، وبالتالي فإن أحداثه وقعت في أزمنة مختلفة عن بعضها وعن زماننا، وكٌتب فى مختلف البيئات والثقافات والخلفيات التاريخية، واستخدم الروح القدس أشخاص مختلفين فى الكتابة، استخدم ألفاظهم ومفرداتهم المشبعة والمتأثرة بالثقافة والتاريخ والعادات، والتقاليد والأعراف التى ارتبطوا بها. فمثلاً موسى كتب عن ابراهيم، لذلك لفهم معنى ما كتبه موسى يجب دراسته في ضوء الخلفية التاريخية  لزمن وقوع أحداث حياة ابراهيم، وزمن كتابة موسى لهذه الأحداث. ولا  يمكن إدراك معنى ما كتبه دانيال دون دراسة أحوال الشعب المسبي في بابل، وأحوال الامبراطورية البابلية، بل ومعرفة كل ما يمكننا معرفته عن الحضارة البابلية والذي يتيح لنا بدوره أن نفهم بدقة معنى كلمات دانيال. وهكذا.
·   الخلفية التاريخية تتضمن معرفة؛ الكاتب، المكتوب لهم، المكتوب عنهم، سبب الكتابة، البيئة الثقافية، البيئة الجغرافية، الحالة السياسية والاقتصادية، الحالة الاجتماعية والعادات والتقاليد....إلخ. إن تحمل صعوبة  الحصول على هذه المعلومات، أفضل من محاولة فهم النص بدونها.
·        لا يشتمل التفسير طبقًا للخلفية التاريخية الطريقة التي بها فسر بها الأقدمون هذا النص أو الفهم الذي توصلوا إليه. 
·   النص الكتابي هو الموحى به، وهو الذي له السلطان فيما نؤمن به، الخلفية التاريخية هي مجرد آداة مساعدة، ولكنها غير موحى بها و ليس لها السلطان.
·   الخلفية التاريخية تعين المفسر لفهم أوسع للنص الكتابي، ولكن لأنها تنبع من سجلات بشرية فلا مجال للمفاضلة بينها و بين النص الكتابي، فلو اختلفت مع النص فنحن دائمًا نسأل " ماذا يقول النص؟".
القاعدة الثانية التفسير في ضوء القرينة:

الإبقاء على المعنى الأصلي، يُحتّم فهمه في ضوء قرينته القريبة والبعيدة.

أولاً القرينة القريبة أو المباشرة: كل نص كتابى مكتوب وسط عدة نصوص آخرى قبله وبعده مما يسمى فقرة أو مقطع. فلم يعط الله فكرة على هيئة أيات منفصلة – أية – أية. إنما على هيئة أفكار متصلة معاً ومترابطة تكون فكر واضح عبر عنه الكاتب بصورة متتابعة، ومحاولة انتزاع آية من وسط  الإصحاح وفهمها بمعزل عن السياق الذي قيلت فيه سيؤدي حتمًا لفهم خاطئ لها، ويسمى هذا السياق القرينة المباشرة للنص الكتابي.
مثال (1تي12:4-16) ( موضوع الرسائل الرعوية لبولس – موضوع رسالة تيموثاوس الأولى – الأفكار الرئيسية لكل الرسالة – الفكرة التي قبل النص و بعده – فكرة النص نفسه)
أمثلة لتوضيح أهمية القرينة المباشرة و خطورة عزل النص 
( فليمون 15، متى 24 : 13 ، أش 45 : 7 ،  2 كو 8 : 9 )
تطبيق كامل على القرينة المباشرة ( 2 كو 3 : 17 ) ، ( يؤ 3 : 9 - 10 )

ثانيًا: القرينة غير المباشرة: أوحى الروح القدس لأكثر من أربعين كاتبًا، وكتب معظمهم عن أكثر من عقيدة وموضوع. وأعلن الله عن الحق بصورة تدريجية، ولذلك فإن أي حق كتابي مذكور في نص معين هو جزء من سلسلة نصوص كتابية موزعة على أسفار الكتاب والتي تتكلم عن نفس الحق الكتابي، ولكي نستطيع فهم هذا النص يجب ربطه بكل النصوص المماثلة (النهر اللاهوتي). فالقرينة غير المباشرة للنص الكتابي هي جميع النصوص الكتابية الأخرى الموزعة على أسفار الكتاب المقدس والتي تتكلم عن نفس موضوع هذا النص.

أهمية التفسير طبقًا للقرينة غير المباشرة
1.  الفهم الشامل للعقيدة الكتابية (مثلًا عقيدة الروح القدس) (تك1؛ خر31؛ قض 13؛ 1صم10، 16؛ مز 51؛ يو14؛ أف1، 4؛ 1كو6؛ 2كو1؛ 1يو2؛ رؤ22).
2.  الفهم الصحيح للعقيدة الكتابية مثلاً (يع14:2-26 ؛ تك22؛ يش2) فالقرينة تساعد المفسر على أن يتأكد أن الخلاصة التي وصل لها تتفق مع كل الكتاب.
كيف تستخرج القرينة غير المباشرة؟ ( فهرس الكتاب المقدس – فهرس الموضوعات الكتابية)

القاعدة الثالثة التفسير في ضوء قواعد اللغة:
وضع الله كلمته فى الكتاب مستخدماً لغة محددة معروفة سواء العبري فى العهد القديم أو اليوناني فى العهد الجديد. وحيث أن الله لم يجبر الكاتب على استخدام ألفاظ غير مفهومة بل التزم بالكلمات والمصطلحات التي تعبر عن معاني محددة ومعروفة سواء بالنسبة للكاتب أو لمستلمي الرسالة، والتزم أيضًا بالقواعد اللغوية الخاصة باللغة فلم يتعداها، بل استخدمها بكل وضوح لخدمة المعاني التي أراد توصيلها لنا. فيجب على من يريد أن يفسر ويفهم الكتاب المقدس ان يلتزم بهما.
هذا يعني ضرورة الإجتهاد لفحص المراجع و القواميس التي تتيح الوصول لمعنى كل كلمة كما وردت في اللغة الأصلية إن لم يكن هناك إمكانية للإلمام بلغات الكتاب الأصلية.
ومعنى الكلمة يجب أن يرتبط بالخلفية التاريخة لفهم كيف كانت تستخدم في هذه الخلفية، كذلك لابد أن يتفق مع سياق الأفكار المتتابعة والموضوع الذي يدور حوله النص الكتابي، وهكذا نجد الترابط مرة أخرى بين اللغة والقرينة الكتابية. لذلك يمكنك
o  إستخدم قاموس الكتاب لمعرفة المعانى.
o  إستخدم كتاب العهد الجديد بالخلفيات التوضيحية.
o  إستخدم ترجمات أخرى للبحث عن معنى الكلمة.
o  بالإنجليزية إستخدم برنامج e- sword
o  إستخدم الاستاذ – المعلم فى كنيستك.

ملاحظة هامة :  المتشابهات ليست متساويات
o  أف 2 : 8  /  فيلبى 2 : 12 /  رو 13 : 11

القاعدة الرابعة التفسير الحرفي:
ويشير هذا المبدأ إلى التزام المفسر بالمعنى الحرفي للألفاظ والتعبيرات وعدم تفسيرها رمزياً أو مجازياً، إلا عندما يوجّه النص المفسر لفهمه رمزياً أو مجازياً؛ فهذا أيضاً يُعتبر تفسيراً حرفياً.
الكتاب المقدس كتاب أدبي يحتوي على العديد من أنواع الأدب، وكل نوع منها يفرض على المفسر طريقة تفسيره، فأدب القصص أو السرد مثلاً  يفرض علينا ان نفهمه كما هو لأنها أحداث حقيقية حدثت والقارىء الأصلى يفهمها كما هى كوقائع وليست رموز أو مجاز لأشياء أخرى، بينما لو كان الأدب هو رؤى أو أحلام، فهنا نجد أن نوع الأدب يفرض على المفسر ان يفسره مجازيًا أو رمزيًا، وهذا سيكون أيضًا تفسيرًا حرفيًا لهذا النوع من الأدب.

ضرورة التفسير الحرفي:
1.    إحترام الكاتب وتعبيره؛ فأبسط قواعد إحترام أى إنسان يتكلم هو فهم ما يقوله كما هو.
2.    الله أرسل كلمته الواضحة للأجيال السابقة (هناك فرق بين الوضوح وعدم الفهم مثال إش6:9-7)
3.  لم يقل الله ما لم يقصده في حينه؛ فقد تكلم مع ادم لشخصه وجيله، ونوح لشخصه وجيله، وموسى لشخصه وشعبه، وقد تشكلت حياة الشعوب وفقاً لهذه الكلمة. فلم يكن الله ليسمح بتضليل كل هذه الأجيال التي فهمت الكلام ببساطة، ومن غير اللائق أن نأتي بتفسير للكلمة بغير ما فهمها المرسلة إليهم والتي تشكلت حياتهم بناءاً عليها.
4.    لم يستخدم الله الأنبياء والشعب القديم جسر ليصل إلينا
5.    تفسير الكلمة بغير ما تقول بوضوح، يلقي بظلال رمادية على الكلمة على انها لا تُفهم ببساطة
6.    ثم لماذا نسعى لتفسير غير البسيط (لإظهار ذواتنا وإثبات قدراتنا؟ إنه كبرياء قلب الإنسان)
7.  لقد فسر اليهود حتى مجئ المسيح العهد القديم حرفياً بكل إجلال ودون خجل من أسفار مثل نشيد الأنشاد ولم يضطروا إلى تفسيره مجازياً أو رمزياً
8.  لقد سر الله أن يعلن عن نفسه حتى يكون معروفاً، ويريد الناس أن يجعلوا من هذا الأمر صعباً وعميقاً وخفياً وسرياً وليس كل شخص مؤهل أن يعرفه. مع أن الله استخدم أبسط الناس عبر كل الأجيال ليوصل معرفته.
9.  الله لم يعطنا الكتاب المقدس ليكون لغزًا يحمل معاني باطنية و يحتاج الى قارئ من نوع خاص يمكنه أن يشغل خياله ليصل للمعنى المقصود.
10.  وجود معانى باطنية خفية لكل نص يثير السؤال لماذا لم يقل الله ألفاظاً تعبر عن المعنى الذى يريده؟ أو لماذا أراد الله تضليلنا بأن يقول ألفاظاً ويقصد معانى أخرى؟ ثم من المنوط باستخراج هذا المعنى الخفى؟ وهكذا يكون من حق كل قارىء ان يختار لنفسه المعنى الذى يفضله.
السؤال الآن : كيف يعرف المفسر أن النص يقوده لأن يفهمه رمزيًا أو مجازيًا ؟
·        نوع النص الأدبي.
·        استخدام أدوات التشبيه.
·        الرمز في العهد القديم هو كل ما قال عنه العهد الجديد أنه رمز.
إن إتباع هذه المبادئ بشكل ثابت يقودنا لفهم النص كما فَهِمَهُ مستلموا الرسالة وكما قَصدهُ الكاتب.

التطور التاريخي للتفسير[2]:
1.    تاريخ التفسير الحرفي يرجع لزمن العهد القديم (نح8:8).
2.    قُبيل مجئ المسيح ظهر نظام تفسيري مبني على القيمة العديدة للحروف، فأُضيف الكثير من التفسير الرمزي للكتاب المقدس، حيث نقل يهود الإسكندرية نظام التفسير الرمزي عن الفلاسفة الوثنيين الذين ارادوا تغطية أفعال الألهة الوثنية المشينة.
3.    فيما بعد تَبنّت كنيسة الإسكندرية نفس النهج في تفسير الكتاب المقدس بعهديه حتى القرن الخامس، حتى دعا أغسطينوس إلى وقف التفسير الرمزي مستثنياً النصوص النبوية فيمكن تفسيرها رمزياً. في حين ظلت كنيسة إنطاكية تُفسر الكتاب حرفياً.
4.    خلال العصور المظلمة، فسّر قادة الكنيسة الكتاب حسب هواهم؛ حتى جاء توماس الإكوينى وعلَّم بوجود 4 طرق أو مستويات لفهم الكتاب أقلها الحرفي أو التاريخي، يأتي بعدها الأخلاقي، ثم المعنى الرمزي، وأعمقهم هو المعنى الروحي أو الصوفي.
عند قيام حركة الإصلاح، رجع قادتها لتفسير الكتاب المقدس حرفياً، ولكنهم لم يفسروا النصوص النبوية، حيث كان تركيزهم على قضايا الخلاص والتبرير بالإيمان.


[1] رايري، 125.
[2] جيمس أ. بيرس، محاضرة مسموعة، ( الإسكندرية: بيت السلام، خريف 2014) تدوين الباحث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق